صدر مؤخرا كتاب"صحائف التكوين" لمحمد بازي ويندرج هذا الكتاب ضمن الدراسات التربوية التي تهتم بالفعل التربوي والتكوينيوالمشاكل والتحديات التي يعيشها المدرس والمتعلم والمدرسة عموما، يقدم فيه المؤلف تصورا نسقيا حول المدرس والمتعلم النموذجيين.
ينطلق الكاتب من الواقع - الكائن - محددا ما يجب أن يكون بتقديم مقترحات وتوجيهات وبدائل عملية للوصول إلى المنشود، مركزا على مرحلة تكوين الأساتذة باعتبارها مرحلة حاسمة في رسم ملامح الأستاذية.
يتيحهذا الكتاب لكل الأساتذة المتدربين والممارسين، وكل الواقفين على مهنة التكوين تدريسا وتأطيرا، فرصة الاستفادة من التصورات والأفكار الهامة التي يقدمها، ومن هنا تنبع أهمية هذه الدراسة في الساحة التربوية والثقافية، لما تقدمه من جدة، ولكونها نتيجة تجربة عارف خبير في الميدان التربوي،يبحث في النواقص التي تشوب مراجع التكوين ويحاول تدَاركها يقول :" لا تتضمن مراجع التكوينأي إشارة لما ينبغي أن يكون عليه الخطاب،وكيف ينبغي أن يكون،مع العلم أنه أس كل العلاقات التربوية..." بالتنبيه لما يجب أن نتجاوزه في مدارسنا التربوية مثل"عنف الخطاب"،لأن بلاغة الخطاب هي سر نجاح المدرس "وما نراه من رقي الشعوب والحضارات فسببه الخطاب" كما يقول الكاتب،مؤكدا على ضرورة امتلاك المدرس للضمير المهني واستحضار عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه ، مرسلاً رسائل صريحة جد مهمة،و مستدلاً بالحجة والبرهان، فقارئ كتاب صحائف التكوين يلمس روح الخطاب الرباني التي تسمو وترتقي بالمقام التربوي إلى معارج التعلم والتعليم البهي، الحاضرة بقوة في كل فصول هذه الدراسة التربوية .
يتألف كتاب" صحائف التكوين" من مقدمات مكثفة ومختزلة طرح فيها الكاتب سبعة أسئلة مؤطرة للدراسة : (عن النموذج و المهنية و المقصدية و المرجع والخطاب وسؤال تحطيم النماذج وواقعية النموذج المقترح)،وتوزعت الإجابة عن الإشكالات المطروحة عبر خمسة صحائف:( المهمات والمتمات والمكملات والمعمات والملمات)، وقد أشار الكاتب إلى أن تقسيم هذه الصحائف شكلي/إجرائي لا غير ،لأنهقد تبدو بعض المتمات مهمات وغير ذلك حسب زوايا النظر أو حسب حاجيات الأستاذ المتدرب.
وقد اختار المؤلف لقارئه في نهاية الكتاب ملحقا للفائدة ضمنه بعض المختارات والمقترحات الوجيهة لإدارة القسم ،مقتبسة من كتاب جوني ينغ بعد أن أضاف لها بعض التكميلات،وأنهى الكاتب دراسته بخاتمة مفتوحة تطرق فيها إلى قوة اللغة العربية مستقبلا وأهمية العلم بها وتعليمها عالميا .
في الصحيفة الأولى "المهمات"تحدث الكاتب عن حاجيات مدرس اللغة العربية بكل الأسلاك التعليمية تمثلا وتنزيلا،منها ما هو مرتبط بدعم التكوين الأساس كالحاجة إلى العلم باللغة والنحو والصرف والاشتقاق والنبر والتنغيم والأنساق الصوتية وآليات التوثيق والتقنيات الحديثة، وما هو مرتبط بالتكوين المهني التربوي تخطيطا وتدبيرا وتقويما وتشريعا واندماجا في الحياة المدرسية.
أماالصحيفة الثانية"المتمات" التي تتمم المهمات فخصصها المؤلف لسؤال مفاده:أي نموذج لمدرس اللغة العربية مستقبلا؟ مقدما صورة المدرس النموذجي وسبل الوصول إليها،بتقديم مجموعة من أسرار وخبايا المهنية الحقة: كيفية التخلص من الارتباك والدهشة المصاحبة لبداية كل تجربة، وطريقة ضبط الفصل وإحكام السيطرة على مجرى التعلُم الذي لا يتحقق إلا بتَفهم المدرس لأحوال وظروف متعلميه، وحرصه على هيبة الفضاء الذي يتقاسمه معهم بفرضه لضوابط وقوانين داخلية ، والمدرس النموذجي هو الذي يتعلق بحبال المعاني ويبحث في العلاقة بينها وبين أشكالها بالتدرج والتكرار وتقديم الأمثلة والابتعاد عن المصطلحات التخصصية ...،هو الذي يحرص على التحقق من مدى حصول التعلم ويعتني بالمتعلمين الانطوائيين عن طريق التعزيز والتشجيع على النقد وطرح السؤال وعدم قبول المسلمات والبديهيات، ما يبعده من التعليم والتلقين والإملاء ويفرض عليه تشجيع التعلم الفردي الذاتي والثقة في النفس ورفض الإجابات الجماعية غير المنتجة.
في الصحيفة الثالثة "المكملات"التي أفردها المؤلف لخطاب المدرس يبين أهمية اعتناء المدرس بخطابه اليومي والتقويمي، إذا لابد للمدرس أن يَحرص على فصل الخطاب وصفائه لغوياً، وتحويله إلى سلطة معنوية لضبط الفصل،لأن الخطاب لا يموت بل يظل خالدا لذلك وجب أن يكون خطاب المدرس بَنَّاءً ايجابيًا ليناً طيباً مشجعاً، يراعي مشاعر المتعلم وظروفه النفسية والاجتماعية،فمراعاة الجانب الإنساني وإشراك المتعلم في القرارات ومشاورته يجعله يتعلق بمدرسه والمادة المدرسة ،فالمودة تستديم مواظبة العلم ،لذلك يؤكد المؤلف على ضرورة تخصيص دورات تكوينية ومصوغة خاصة لخطاب المدرس.
يقدم الكاتب في الصحيفة الرابعة"المُعِمات" مجموعة من الإرشادات والتنبيهات المتنوعة يمكن تلخيصها في ما يلي : اعتبار العمل عبادة وحسن الظن بالمتعلمين،ومراعاة الفروقات الفردية بينهم ومعاملتهم معاملة الأبناء ،وغرس قيم التفاؤل والأمل فيهمبالابتسام في وجوههم ومخاطبتهم بالكلمة الطيبة، وترك الهموم الشخصية خارج المؤسسة التربوية وكسر رتابة الدروس ببرمجة أنشطة موازية ،تفسح للمتعلم فرصة تحقيق الحضور الفردي المتميز داخل الجماعة ليشعر بأهميته فيها.
وفي الصحيفة الخامسة "الملمات"، يقترح المؤلف تصورات و يجيب عن مجموعة من الأسئلة الملحة والاستفسارات والمشكلات، التي تواجه الأساتذة المتدربين ،والمتعلقة بكيفية تدبير الزمن وطريقة تبسيط درس النحو، والمرتبطة بطريقة التعامل مع فضاء حجرة الدرس وخلق التشويق واعتماد آليات وتقنيات التنشيط، والتعامل مع المشاغبين ...و غيرها من الوضعيات، التي تواجه المتدربين في التداريب الميدانية أو خلال الوضعيات الممهننة، وقد أكد الكاتب على أهمية التكوين الذاتي للمتدرب لغويا ومعرفيا ومهاريا،لأن التكوين المهني ليس إلا فترة لاستكشاف خبايا الميدان التربوي، والوقوف على الحاجيات الضرورية والثانوية وطرائق تحقيق الكفايات المهنية وإدراك المسؤولية الكبيرة الملقاة على ممارس مهنة التدريس التي تتطلب كفايات عليا.